الأربعاء، مارس 31، 2010
يومُ يوم ِ القيامة
الأحد، مارس 28، 2010
عوضين الحسّـان
الجمعة، مارس 26، 2010
بصَـلْ ، رزقاً حصَـلْ
(أسمع يا صالحين !، بكره وينما انقعمزوا عالشاهي انريدك تقول قدّام "الهَبـِيلْ" هذْ ، انّك ريْتَه في المنام إيدقّ في البصل .. فهمت و؟ ، لكن فكني من سَهْوكتَكْ ، قولها و ردّ بالك تضحك ، أو توّ اربح ، وبكره تعال علي ما هَلَك) .
غمز الشيخ لابن أخته مع رشفة أولى من الدور الأول من الشاي ، فتململ الفتى وتحنحن
وقال : أيش انقولك يا بوخال ! .
فقال الشيخ : قول لا إله إلا الله ! .
فردّ الفتى : لا إله إلا الله محمدْ رسول الله ، البارح يا خالي ، والكلام ألكم كلّكم ؛ ريت في منام الله العزيز ...
فقاطعه الرجلان : خير انشاللهْ ! .
فواصَلَ : خير ، ما يكون إلا خير ، ريت ارمضان هذْ ((وحينها احمرّتْ أذنا الكهل)) إيدق في بصلْ .
وفوراً صاح الشيخ : بصلْ ؟ ، بصل حويل ؟.
فأثبت الفتى : عليم الله إنه بصل ، وبصل حويل ، وحلو زاد.
فعاد الشيخ لصياحه وهو يرفع كفيه كأنما يدعو و يقلب وجهه في السماء : ما شا الله ! ما شا الله ! ؛ ما شا الله عليك حلاّمه سمحه ، ملاّ روْيَه سمحه هذْ ! ،((ثم وجّه كلامه للفتى)) موش ديمه انقولك يا بناخييّ إن ارمضان بوزينوبه موش مطلوق ؟ .
وأكّد الفتى قول خاله ، في حين تنهّد الكهل رمضان وعدّل جلسته ومسح على المعطف المطوي في حجره .وانطلق الشيخ يؤول الحلم المزعوم : هذا يا سيدي خوك رمضان ناوي علي عولة همّ ، قضْيةْ حاجة ، شرْوةْ بصيرة ، كي ما اتقول قطعة أرض ؛ غلة ، زريع صابه ، حاجة من هالحوايج.
فابتسم الكهل وسوَيقُ سنبلة بين أسنانه ، وبسط كفّه للشيخ وقال : امّالا يا جماعة بعد ما جت من فوق ؛ ونا كنت متحشّم منكم فيها ، أيش رايكم لو نعطيكم التفتوفة اللي دفعتوها للحاج مومن ، وتطلعوا منـّه هالزرع؟.
ولم يلحظ الكهل بريق عيني الفتى ؛ ولا حتى تهلل وجه الشيخ حتى أذنيه حين أجابه : واللهِ يا رموضه ما نقدر انقول لك شي ابروحي ، لا جل ـ ونْت عارف ـ الزرع ما نش فيه اوحدي.
والتفت إلى ابن أخته : أيش قولك يا بو بناخي في هالكلام ؟.
فرد الفتى : والله الزرع مو هاين علي ، لكن الكلام كلامك يا خالي ؛ ما عندي معاك كلام.
فقال الشيخ : انبيعوه؟.
فأجاب الفتى : بييييعه ! .
فمدّ الشيخ يده وخبط كفّه بكف الكهل وقال (( في اللحظة التي ثار فيها الرمادُ من حفرة النار التي شلّت إثر كبِّ الفتى الشايَ عليها)) : انشالله تربح .
السبت، مارس 13، 2010
ونـَا عَـمْ غنـّي
غَنـِّي !
كالبحر أزرق وكبير
والسما ... وبعيد
ـ وأنت لمن تطربين ؟ـ
ما بِوِسْعِنـَا فِعْـلُ شـيءٍ
ولَوْ مُجَـرّدَ التّصْفيق
صعوبة البساطة التي بها ُتغَنـّين .
الأربعاء، مارس 10، 2010
الراعية
الجمعة، مارس 05، 2010
هَـوَا السَّـيْـقَـل
نعم ، عند الحدود الشرقية لقريتنا ، في ظل الجبل ، سقط ذات زمن مغرق في القدم نيزك أو بعض نيزك ، فشكـّل حفرة لم تزل هائلة القطر سحيقة العمق ، عصيّ على الشباب المغامرين النزول إليها حيث أعشاش الحمام النيسي المعتصم بجدرانها ، رغم أطنان الأطنان من نفايات تكب فيها من المطار والميناء والقرى الأخرى ، ورغم كميات الأمطار المنحدرة إلى جوفها من الجبال كلَّ شتاء ، إنها حفرة " هوا السَّيـْقــَلْ"* ، التي هي ربما كلمة إيطالية ، (في المرحلة الإعدادية احتفاء بالهوا وباللغة الإنجليزية راق لنا أن نسميها نورس البحرsea gul ) ، ولعلها ليست سوى كلمة ليبية جامدة لمعنى غير معلوم ، وفي كل الأحوال هي كلمة تعني الكثير بالنسبة لنا أولاد القرية خاصة ، فقد ارتبط ذكرها بحكاية نصفها ألم ونصفها الآخر فروسية ، وتلك أيضاً هي حكاية الإنسان والحياة .
ففي ذات يوم من الأيام كان حول هوا السيقـل سيارة بها طفلان "أوليد و بنيّة" جلست أمهما تعد أول وجبات الزرده فيما ابتعد أبوهما يجمع الحطب ، وكانت الأم قد افتقدت الملح ، أما الأب فقد استدرجته أغنية رائحة الزعتر ، قامت الأم وفتحت "شنطة" السيارة وراحت تفتش في بعض الآنية ، وهي تستفز بإغراء في ذات الوقت الولدين للنزول ، ثم صفقت في الختام باب الشنطة فاهتز جسم السيارة ، فطقطقت مفاصلها ، فدبّت مثل السلحفاة في الصيف أولا ، ثم تقافزت كالضفدع في الخريف ثانياً ، ثم مثل الجربوع في الربيع ثالثاً ، ثم كرّت وفرّت وأقبلت وأدبرت معا كالصخور من أعالي الجبال المجاورة في الشتاء رابعاً ، ثم صفرت حديداً في هواء الهوا دهراً من االثواني ، ثم أحدثت دُمّـاً واحدة في قاعه أخيراً ، فبعثت سحابة كثيفة زاعقة من أسراب النيسي والسليو والبورقيص والرماد ، غطت فوهة الهوا الواسعة .
هل بإمكان أي روائي أو مؤرخ أن يصف لكم مدى الفاجعة التي حلت في فؤاديّ الأم والأب معاً تلك اللحظة فتشابها وتطابقا ، حتى اتفقا على العدْو بذعر تجاه القرية التي تبدو منازلها مؤتلفة على بعد بعض الكيلو مترات ، إذ لم يكن هناك طريق معبّد قريب ، ولا أحد سوى صوت راعٍ مختبئ بين صياح الجداء في سفح الجبل المقابل ، بعد ساعة كان هناك حول فوّهة الهوا عدد غير قليل من الناس من القرية ومن نجوع متناثرة وجنود القوة المتحركة ، وكان الجميع في انتظار بطل ينفذ الخطة الوحيدة للوصول إلى قاع الهوا السحيق الكريه الرائحة ، والمسكون بمخلوقات شرسة أقلها خطراً كلاب انحشرت بشكل ما هناك وتكاثرت .
ولم يكن ولن يكون ذلك البطل سوى الشريف ، الشاب الطويل الموشم الذراعين المفتول العضلات ؛ سائق الجيب ريم الوديان ؛ القناص صائد صيد الليل والنهار وغزلان البر والقرية والمدينة ؛ التقـّاز الزمّار لعّاب الحجّالات والكارطة السبّاح النجّار الميكانيكيّ الكهربائي الأسطى بنّاي السّباك الزّلاز الزوّاق الجلاّم فنيّ الساعات و التليفونات والراديوات والتلفزيونات والهوائيات والسخانات ، الذي يعلق الذئاب والضباع على أفرع أشجار الغابة على حافة الطريق ، الذي يجمع العسل من الجبوحة بلا دخان أو مسكرة ، الذي سبح في خزان المجاري واستخرج جثمان حياة الحاج حمدنه ، الذي تسلـّق صومعة المسجد الملساء لتثبيت الهلال النحاسي عام العجاج ، الذي تسلق حتى الحقفة المعلقة لإحضار عشبة القبّار دواء لكلى الأستاذ ميلود ، الذي نزل منحدر طريق مرتفعات الرجمة واقفاً على كرسي دراجته ، الذي رفع مقدمة فردينو بو زايد حتى غير إطارها ، الذي انقذ خزينة السوق العام من الحريق ... الذي كان في موعده قبل أن تغرب شمس ذلك اليوم على الطفلين في قاع الهوا .
لكن كيف وصل الشريف إلى هناك ؟ ، وأين كان قبل ذلك ؟ ، قال لي علي بو محمد ـ وهو نجم آخر من نجوم الحكاية الفكاهية في القرية وبطل أنوية بعض حكايات أخرى ـ :
ـ نا مشيت جبته ؛ بعد العصر في التاونس أمتاعتي من مقر شركة (ميتشل كوتش ) اللي كنا نشتغلوا فيها أمعا بعضنا .
وكيف تمت عملية النزول إلى الهوا ؟ ، يروق للناس حكاية أنه نزل بحبل يتدلى من طائرة هيليو كابتر ، وهي الرواية التي راقت لنا منذ الطفولة ، وما هو تاريخ هذه الحادثة ولو بالتقريب ؟
قال لي جارنا بوجمعة ذات مرة:
ـ في السبعين ، واحد او سبعين ، اثنين او سبعين ، ثلاثة و.....
دعكم من بو جمعة ؛ فالحادثة حسب ما أذكر كانت قد صارت من الماضي في هذا التاريخ ، ولهذا كان على سنوات وسنوات أن تمر ، يصبح الشريف بعدها مستشاراً من أعيان عائلته لا يستريح حتى أيام يستريح الناس ، لتتاح لي فرصة ظننتها مناسِبة لأن أسأله شخصياً :
ـ قلتلك يا سي الشريف! فيّنْ سنة كانت تطليعتك للعويلة اللي طاحوا في هوا السيجل؟
ـ وين يا ابناخييّ ؟ مدة طايلة ، والعقل دامر.
ـ في السبعين واحد أو سبعين ؟
ـ لا لا لا قبلها ابواجد ، في الستينات.
ـ في أولهن؟ ، آخرهن ؟.
ـ ما قلتلك الذاكرة بلهون ... ريت ! أرجى أرجى ، نلقاني كنت كيف بادي نشتغل في شركة ميتشل كوتش ، يا آخر الثلاثة وستين يا أوايل لربعة وستين ، إيوا .
ـ ربيع؟ .
ـ .............. شاهي يا ليد ، وشوف من اللي ايرن في الجرس .
ـ معلش أيش قلت ؟.
ـ قلتلك كان الوقت ربيع لاينه العيلة جاية زردة طبعاً ؟.
ـ والله ما نقدر اِن... كان جو عادي يعني لو مطر لو عجاج لو..
ـ نزلت في بتيّه مربوطة في طيار بو فرارة ؟.
ـ لا ، نزلت ابحبل ، حبل عادي بس غليظ متين من بكرة اندروفل ، نزلت عناد في ضابط متحركة تما ايلزز فالناس او نَتّ فيّ وينما جبّيْت عالهوا وقاللي كنك يا شاب؟ ، قلت له نبي ننزل ، شوي اضحك وقالي تبي تنزل؟ ، امالا تحسابها سيزة.
طبعاً هو كان عارفني اوهو اللي راسل وراي بيش ننزل ، أو ما صدق حقني ، غير أيش من قال قدام الناس الشـّبـّوب اطوّع بروحه ، لاينهم هم لو كانهم قادرين ولاّ يبو ايطلعوا لعويله راهم كانوا الهم نهار امطلعينهم ، موش قاعدين اينقوا في القعمول ...
ـ قعمول معناها وقت ربيع؟.
ـ إي وا صحيح ربيع ، أول ربيع ؛ لاينه القعمول اصغار، دوبه طالع مالخرشوف..... أوينما يا سيدي ربطت الحبل علي روحي او هو ايقوللي لي أتحمّل مسؤولية نفسك يا ولد ؟ ، درت روحي ما اسمعتش اولا هو ايريد يسمعني ، ودّلْولتْ فالهوا ، وثاريته مايل مالجيهة الشرقية وخاش لا جوّا نين يبقى كاينه سقف فوق منك ، ولونه أربد كي العوين ، وتما الحبل ايحك فالحواشي ويطيّح علي راسي فالحيط والتراب ، حصلت كم فجخة فالنزلة او فالطلعة ، لكن فالطلعة أكثر واصعب ، لايني كنت انعطي فالحيط بظهري بيش ما ايطبش فالعويلة ، ... طبعا غير لبنية اللي كانت اتنفس ، انكلا لوليد القيته متوفي مسّاعة .
ـ باهي لعويلة كم عمارهم ؟ .
ـ اصغيرين ، ثمانية ؛ تسعة.
ـ هلهم مالبلاد طبعاً ؟.
ـ آ مالبلاد.
ـ والمن هم ؟ .
................................... ـ آلو! من ؟ ، آ ياحاج ، مرحبه ، الله يسلمك ، أي نعم ، ... أمتي ؟ ، أممممم ، خلاص ، اتمروا علي تلقوني قاعد ... لا ، واتي واتي ، بالسلامة ... والله قصة حتى قصة هالسهريات ، ماعليش يا بوبناخي ، تي وين الشاهي ياولد ؟.
ـ ما قلت لش ألمن هم يا سي الشريف؟.
ـ عيت بوشوالين عندهم عزوز متوفية الليلة ثالث ليلة ...
ونهض مستأذناً ، ودعا أحد الأولاد للبقاء معي ، دون أن أعرف من هم أهل لبنيّه و لوليد ، وهل تم التعارف بينهم وبين الشريف ، وهل تم مثلاً تكريم الشريف من قبل المسئولين في القرية ، وإجابات أخرى كان يمكن أن أختم بها هذه الحكاية ، ولكن بعض الحكايات تنتهي بأسئلة .
الثلاثاء، مارس 02، 2010
مبعوث الحيوانات
انتباه : صيد الليل عرضة للإنقراض بسبب الصيد الجائر ليلاً ونهاراً.
تقول حكاية شعبية ليبية ضاع نصّها هي الأخرى في لهجته الأصلية(1)، أن الحيوانات كلها بمن فيها بعض ما صار منها أليفاً بعْدُ، والمتوحشة بالطبع، عقدت اجتماعاً كبيراً لم تسعه الغابة، ناقشت فيه وضعها المتأزم مع أخيها الإنسان، وبحثت فيه عن حل، وتوصلت في نهاية الاجتماع إلى رأي هو أن تبعث إلى بني آدم ممثلاً عنها للتباحث معه، إذ لا يمكن أن يظل الحال على ماهو عليه من طراد وذبح وسلخ والتهام وحبس وسخرة، والخ من مظاهر الاضطهاد والتفرقة.
ولم يكن أمر اختيار مبعوث بأسهل من النجاح في الاجتماع فضلاً عن التطوع الحر، ولكن القرعة التي تم اللجوء إليها أسفرت عن إرسال (الشيهم): الذي لم يكن حتى ذلك الوقت كائناً ليلياً؛ فيسمى بـ (صيد الليل).
الجدّة: (مو صيد الليل أصلاً كان ابنادم، أنت مانكشي رايّ كرعيه ؟ كيف اكريعات لعويّل، وحتى حسّه كي حس لعويّل).
انطلق صيد الليل مع العشية، وعلى أنّ كلَّ الحيوانات تقريباً كانت في هدنة تقريباً أيضاً مع بعضها البعض، ورائحةَ الحصانة الدبلوماسية تفوح من بين أشواكه، إلا أنه ـ ولكي يتسنى له المزيد من التخفي فوق العادة ـ مشى بخطوات محسوبة مقدراً الوصول إلى ربوع الإنسان مع حلول الغروب.
وصل صيد الليل ولم تنبحه سوى بعض جراءٍ خلفتها الكلاب التي التحقت بالاجتماع، وقابله ابن آدم بحفاوة العادة، حيث الترحيب والترحيب وإعادة الترحيب، وأعدّ له التكية، ففرش له البسط وأحاطه بالوسائد وقدم له الماء، وكلف خادمه بأن يعجل بإشعال النار لإعداد الشاي الأحمر والأخضر، ونادى على ولد من أولاده وهمس له في أذنه وصرفه وهو يصفق وراءه، وألقى نظرة من وراء الحجاب وتنحنح مرة واحدة، ثم عاد وقعد غير قريب وغير بعيد من ضيفه، كل ذلك وهو يرحب ويرحب ويرحب بلا توقف وبلا مبالاة بردود الضيف، و بنفس الكلمات تقريباً وكأنه لا يعرف سواها.
الجدّة: (لااااااا، يعرف غيرها واجد مالكلام، وقادر ينشده أنت ألمن بلا مصغره؟ و منين جاي؟ من شرقه؟ والا من غربه؟ ولاّ وين تريد؟ ويش حال وطنكم؟ ويش ريت في طريقك؟ غير هذي موش من عادة العرب لكرام، قبل ثلاث أيام من يوم جيّة الضيف ما ينشدوه كيف سيرته، مفيت المرحبة والضيافة).
تقول الحكاية أن أول ما قُدّم للضيف من طعام كان المثرودة واللبن، وأن صيد الليل أقبل على الأكلة بنهم وتلذذ كبيرين، أبهجا مضيفه فدعاه إلى أن يزيد، ولكن صيد الليل حمد الله، وشكر المضيف، وأعرب عن شبعه، وحين اطمأن المضيف إلى ذلك نادى على ولده ليقف على غسل يدي الضيف، عاد صيد الليل فحمد الله على نعمته وسأله سبحانه أن يديمها، ثم عبر لمضيفه عن امتنانه لحسن كرم ضيافته، وأسفه على ما كلفه إياه، وكان سؤال يلح عليه فيغالب طرحه على مضيفه، إلى أن حانت لحظة تقديم الشاي:
المضيف: هي تفضل أشرب.
صيد الليل: الله يزيد فضلك، (نحنحة، ثم صوت رشف الشاي)، يا مرحبه!.
المضيف: رحبْ بّك، ياميّة مرحبه بَكْ.
صيد الليل: (يتنحنح) يا وجوه لكرام نريد نسألك علي بصيرة،متحشم فالنشده عليها، سامحني!.
المضيف: أييّيّه، ياك الا متحشم ! انشد على حاجتك اللي في بالك، وحاجتك مقضية انشا الله.
صيد الليل: ما قصرت، ولا فيه حاجة بعيدة، امغير نريد نسألك عالمية الصفره الطيبة اللي امرقرقه عالطعام الطيب اللي قدمتوه لي.
المضيف: اوماعرفتـّا شي أنت؟.
صيد الليل: لا ما عرفتـّا، اموهّم عليها توهيم لكن ماني شي متيكّد.
المضيف: هذا سمن ياسي.
صيد الليل:ـ سمن؟ طيّب العطيب، ومنين اتجيبوا فيه السمن؟.
المضيف:ـ السمن من النعجة.
صيد الليل:ـ من النعجة؟.
المضيف: آ من النعجة، وموش غير هو من النعجة.
صيد الليل: وحتى اللي قلت لي شاهي؟.
المضيف: لا ... ريت! النعجة بركتـّا واجده، كل ما ايجيك في هالبيت من طعام والا شراب والا غيره، يا من النعجة، يا للنعجة فيه سهم،تو أنت سألتني عالشاهي، الشاهي موش كي السمن والا غيره من النعجة بيدها، لكن ما انجيبوه نين انبيعو حاجة مالنعجة يا حليبها يا صوفـّا يا غيره، أنت أيش رايك في هالنطع اللي تحتك ؟.
صيد الليل: والله حتى هو كنت نريد نسألك عليه ملوّلْ، لايني صارت لي تشويبه ساعة اللي قعمزت عليه، وراني مانش رايها النعجة، نسمع بها سمع، انظني هي اللي تقول ماااااااء مااااااء؟.
المضيف: آي وهْ.
صيد الليل: وصار حتى هو قلت لي أيش اسمه ؟.
المضيف: النطع! النطع!.
صيد الليل: النطاااااع. باهي وهالبصاير هذين شنن؟.
المضيف: امخاد.
صيد الليل: اووو؟!؟!.
المضيف: .. وحتى هن وحشوهن مالنعجة.
صيد الليل: ريت باللهِ يا وجوه لكرام ! عليم الله انها مباركة النعجة كيما قلت، وتستاهل كل خير.
المضيف: قلت لك ما اتعب روحك لا انتعبك في كثرة نشده ، كل ماهو قدامك اوراك وتحت عينك مالنعجة ، هالبيت اللي تانسنا فيه في هالساعة المباركة؛ هو كله حيله مالنعجة، طعااامنا منها، دبشنا هاللي علينا منها، أوقات حتى ابلغنا منها، والدوا والسماد والحبر.
صيد الليل: الحبر؟.
المضيف: أنت ثاريتك ما تعرفش الحبر، الحبر ياسيدي هو الـ...، ألـ...، ألـ...ووجد ابن آدم صعوبة شاقة في شرح مفهوم الحبر لضيفه، فضلاً عن كيفية صناعته من الصوف ، و استعماله في الكتابة ، وما أدرى صيد الليل مالكتابة؟ ولكن صيد الليل فهم المراد فهماً ما ، على نحو يصعب في نفس الوقت على ابن آدم فهمه.
الجدّة: (مي هذي دوّة الخراريف عَيْد، الخراريف هذا لونهن. وهذي لغوتن، ما يستحقن شي ترجمة بين لنسان والحِـوان).
ومضى صيد الليل ومضيفه الإنسان في الدردشة؛ ممعنين في التوغل في الأنس مستعينين بهذه اللعبة من السؤال والجواب؛ إلى حين موعد العشاء، الذي كان لاشك كسكسو باللحم طبعاً، والذي اتبع بالشاي ؛ الأمر الذي أثار دورانُ أكوابه كوباً إثر كوب عجباً لدى صيد الليل لم يبده ، لكنه لم يكن أقوى وقعاً عليه من عجبه من عودة المضيف فيما هو ينبش ما بين أسنانه بعود ليقول : يا ربي مرحبه! كيف حالك ؟ آنست، كيف الحال، أيش لونك، كيف أنك، مرحبه ؟.
الشاي الذي لم يألفه صيد الليل، على الوليمة الدسمة، على الأجواء غير المألوفة، على قلق المهمة التي جاء من أجلها إلى ربوع بني آدم، كلها كانت عوامل ثانوية في الأرق الذي ألم به ، فتقلّب طويلاً في الفراش وتحت الغطاء ، لكن العامل الأكثر تسبباً في الحالة هو سماعه لصياح حيواني لم يكف منذ انبعاثه من أول ساعة لجلوسه في البيت.
المضيف: كنك تقول مانك شي متريّح ؟ بالك راك صقعت؟ انزيدوك غطا ؟ والا فراشك موش ريّح ؟.
صيد الليل: لا كثر خيرك ، فراش ريّح، وصقع مافيه صقع.
المضيف: لا والله مانك متريح ، انظر أيش في عقلك غير متحشّم ، قوووووووووول ياراجل لا ادّير شي غيبة؛ بالك اتريد الخلا ؟.
صيد الليل: لا.
المضيف: كانك اتريد تنشد على هالغطا ؟ راه حتى هو مالنعجة.
صيد الليل: لا قلت لي عليه من بدري.
المضيف: شوف ! إن كان موش جايك نوم ومازال في عقلك هدرزة، راني حتى نا موش هذا وقت تغفايتي، والا راه هالنعجة اللي اتصيّح ما خلاتك شي ترقد ؟.
صيد الليل: بعد قلتـّا، هي كنها النعجة من حاشن اغرب المغرب وهي اتصيّح في هالتصييحة الموحشة ؟ بالك راها جيعانة؟.
المضيف: لا ما بها جوع ، إلا اتصيح على حوليها ؟.
صيد الليل: او حوليها كنـّه ؟.
المضيف: اتريد اتحشمنا عيد، بيش انقولولك رانا درنالك ذبيحة ؟.
صيد الليل: كيف صار؟.
المضيف: حوليها هو ذبيحتك.
صيد الليل: لا ! لا تقولهش.
المضيف: أييّيهْ، هالحاجة الكبيرة اللي درناها لك ، ذبحنا لك امغير حولي.
تقول الخرافة الليبية أن صيد الليل انسل من الفراش بعد أن تعالى شخير مضيفه، وتسلل فارّاً إلى حيث تنتظره الحيوانات، وحين هبّوا إليه ليسألوه بمَ جاءهم، قال لهم :
ـ ما ني قايل لكم شي، ولا نص كلمة، نين تحفروا لي حفرة غريييييقة في هالجبل.
وحين أتمت الحيوانات عملها سألته فأجاب :
ـ ريتوا، انكلا بني آدم اللي ريته نا، بني آدم اللي وكاله. وشربه. وكسوته. وفراشه. وغطاه. وبيعه. وشراه. مالنعجة، وما يلقى بيش ايكافيها الا ابذبحة جنينها. بني آدم اللي هذا وصفه. لا اتصالحوه. ولا ايصالحكم.ولا اتجيبكم طريقاً اتجيبه. اقسموا يوم ربي بينكم وبينه، عطوه النهار وخذوا الليل، وبو حافر يحفر، وبو جناح ايطير(2)، وهي السلام عليكم علي راي لبنادم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خرافة ليبية بتصرف كثير. إحدى حلقات برنامج صندوق القرية. إخراج محمد بالقاسم. تقديم سالم الفيتوري.(1). كما كانت تروى بألسنة الجدات والأمهات. (2). مثل شعبي ليبي .