الأربعاء، يناير 26، 2011

عن البيت 2

غاستون باشلار*

إن الفلسفات الميتافيزيقية التي تذهب إلى أن الإنسان (قد القي به في العالم) عليها أن تتأمل بالتحديد البيت الملقى في العاصفة ، يتحدى غضب السماء ذاتها . وعلى الرغم من كل شيء فإن البيت يساعدنا على القول : سوف أكون من سكان هذا العالم ، رغماً عن العالم .

إن هذه المسألة ليست مسألة الوجود فقط ، ولكنها مسألة القوة ، وبالتالي مسألة القوة المضادة . في هذا الصراع الديناميكي بين البيوت والكون نستبعد الإشارة إلى الأشكال الهندسية البسيطة . إن هذا البيت المجرب ليس مجرد صندوق ساكن . فالمكان المسكون يتجاوز المكان الهندسي .

أحياناً ينمو البيت ويتمدد ، فتحتاج الحياة فيه إلى مرونة أكبر في أحلام اليقظة ، نحتاج إلى أحلام يقظة أقل وضوحاً وتحدداً . كتب جورج براسكي : " بيتي شفاف ولكنه ليس من زجاج . طبيعته اقرب إلى البخار . تتقلص جدرانه وتتمدد حسب هواي . أحياناً أجلبها إلى حتى تصبح مثل درع واقٍ ... ، وأحياناً أخرى أدع جدران بيتي تتفتح كزهرة وتأخذ مداها في المكان ، هذا المدى المتسع لما لا نهاية " . هذا البيت يتنفس . في البداية يكون درعاً ثم يتمدد إلى ما لانهاية وهذا يعني أننا نعيش في داخله الأمان والمغامرة بالتناوب . إنه زنزانة وعالم في نفس الوقت . هنا تم تجاوز الهندسة .




إذا كنا نحتفظ بعنصر الحلم في ذكرياتنا ، وإذا تخطينا مجرد تجمع ذكرياتنا ، فإن البيت الذي ضاع في ضباب الزمن سوف ينبثق مرة أخرى من جوف الظل ، ونحن لا نفعل شيئاً لإعادة تنظيمه ، فمن خلال الألفة يستعيد البيت هويته ، خلال صقل وعدم الحياة الداخلية ، .. إن ريلكه ..... يتحدث عن امتزاج الوجود بالبيت المفقود : " لم تقع عيناي على هذا المسكن الغريب مرة أخرى . والواقع أنني حين أراه الآن كما بدا لعيني كطفل ، فلا أراه بناء مشاداً ، بل يبدو مذاباً وموزعاً في داخلي : هنا حجرة ، هناك أخرى ، وهنا جزء من الممر الذي ـ على نحو ما ـ لا يصل بين الحجرتين ، ولكنه محفوظ في داخلي بشكل مجزأ . وهكذا فالبيت كله متناثر في داخلي ، الحجرات ، والسلالم التي تهبط ببطء جليل ، وغيرها ، أقفاص ضيقة كانت تصعد بحركة لولبية ، في الظلام الذي كنا نسير فيه كما يسير الدم في الشرايين" .




.. وفي رواية وليام جوين (بيت من نَفَس) يقول : "لكون البشر يأتون إلى هذا العالم في مكان لا يستطيعون في البداية أن يعرفوا حتى اسمه ، ولم يعرفوه من قبل ، ولأنهم في مكان مجهول لا اسم له ، يكبرون ويتحركون ، ثم يتعرفون المكان ويستدعونه بحب ويسمونه بيتاً ، وفيه يلقون جذورهم وإليه يتوجهون بحبهم ، وحين يبتعدون عنه يغنون حنينهم إليه ويكتبون عنه أشعار شوق ، وكأنهم عشاق" .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جماليات المكان
* الصورة من موقع aljasad.net

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة