الأربعاء، يناير 26، 2011

عن البيت 2

غاستون باشلار*

إن الفلسفات الميتافيزيقية التي تذهب إلى أن الإنسان (قد القي به في العالم) عليها أن تتأمل بالتحديد البيت الملقى في العاصفة ، يتحدى غضب السماء ذاتها . وعلى الرغم من كل شيء فإن البيت يساعدنا على القول : سوف أكون من سكان هذا العالم ، رغماً عن العالم .

إن هذه المسألة ليست مسألة الوجود فقط ، ولكنها مسألة القوة ، وبالتالي مسألة القوة المضادة . في هذا الصراع الديناميكي بين البيوت والكون نستبعد الإشارة إلى الأشكال الهندسية البسيطة . إن هذا البيت المجرب ليس مجرد صندوق ساكن . فالمكان المسكون يتجاوز المكان الهندسي .

أحياناً ينمو البيت ويتمدد ، فتحتاج الحياة فيه إلى مرونة أكبر في أحلام اليقظة ، نحتاج إلى أحلام يقظة أقل وضوحاً وتحدداً . كتب جورج براسكي : " بيتي شفاف ولكنه ليس من زجاج . طبيعته اقرب إلى البخار . تتقلص جدرانه وتتمدد حسب هواي . أحياناً أجلبها إلى حتى تصبح مثل درع واقٍ ... ، وأحياناً أخرى أدع جدران بيتي تتفتح كزهرة وتأخذ مداها في المكان ، هذا المدى المتسع لما لا نهاية " . هذا البيت يتنفس . في البداية يكون درعاً ثم يتمدد إلى ما لانهاية وهذا يعني أننا نعيش في داخله الأمان والمغامرة بالتناوب . إنه زنزانة وعالم في نفس الوقت . هنا تم تجاوز الهندسة .




إذا كنا نحتفظ بعنصر الحلم في ذكرياتنا ، وإذا تخطينا مجرد تجمع ذكرياتنا ، فإن البيت الذي ضاع في ضباب الزمن سوف ينبثق مرة أخرى من جوف الظل ، ونحن لا نفعل شيئاً لإعادة تنظيمه ، فمن خلال الألفة يستعيد البيت هويته ، خلال صقل وعدم الحياة الداخلية ، .. إن ريلكه ..... يتحدث عن امتزاج الوجود بالبيت المفقود : " لم تقع عيناي على هذا المسكن الغريب مرة أخرى . والواقع أنني حين أراه الآن كما بدا لعيني كطفل ، فلا أراه بناء مشاداً ، بل يبدو مذاباً وموزعاً في داخلي : هنا حجرة ، هناك أخرى ، وهنا جزء من الممر الذي ـ على نحو ما ـ لا يصل بين الحجرتين ، ولكنه محفوظ في داخلي بشكل مجزأ . وهكذا فالبيت كله متناثر في داخلي ، الحجرات ، والسلالم التي تهبط ببطء جليل ، وغيرها ، أقفاص ضيقة كانت تصعد بحركة لولبية ، في الظلام الذي كنا نسير فيه كما يسير الدم في الشرايين" .




.. وفي رواية وليام جوين (بيت من نَفَس) يقول : "لكون البشر يأتون إلى هذا العالم في مكان لا يستطيعون في البداية أن يعرفوا حتى اسمه ، ولم يعرفوه من قبل ، ولأنهم في مكان مجهول لا اسم له ، يكبرون ويتحركون ، ثم يتعرفون المكان ويستدعونه بحب ويسمونه بيتاً ، وفيه يلقون جذورهم وإليه يتوجهون بحبهم ، وحين يبتعدون عنه يغنون حنينهم إليه ويكتبون عنه أشعار شوق ، وكأنهم عشاق" .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جماليات المكان
* الصورة من موقع aljasad.net

الاثنين، يناير 24، 2011

نهاية




هـذا الصباح ، في المستشفَى في المدينة ، لفظ مؤذن مسجد القرية العتيق منذ خمسين سنة ، آخر أنفاسه عندما كان ضوء شمس الحادية عشرة لا ينسكب – بفضل السحب - عبر نافذة حجرته على سريره في بيته في القرية ، لو عاش لنصف ساعة أخرى ؛ حتى دخل عليه مرافقه النهارىّ من أبنائه ، لعلم منه أن الوادي قد قطع الطريق بين القرية والمدينة .

زحف كلُ أهل القرية إلى الحيّ القديم ، فكنت تراهم رجالاً ونساءً وأطفالاً ؛ يصّعدون مثل قطعان الماعز مجلِّلين الهضبة ؛ التي بللتها زخـّة شؤبوب عبرت الليلة البارحة .


لم يكن نبأ فاجعاً ، لكنه كان يبعث على درجة من التأثر ؛ كما لو أن الريفيين قاموا في الصباح الباكر فوجدوا صنوبرة ساحة الحيّ الهرمة نائمة على الطريق .

حتى قبيل الخمسين عاما كان هذا الميت ـ الذي كان مؤذناً شيخاً ـ فتىً عربيداً جوّالاً على كارّو يتنطق بشملة حمراء ؛ يغرس بينها وبين خصره من اليسار قنينة خمر ؛ وفي الجانب الأيمن خنجراً يشهره على بعض أصحاب الدكاكين والقصّابين ؛ آمراً هذا بأن يناوله كم علبة حلوى طحينية ، وذاك بأن يضع له هاتيك السقيطة ، وإلاّ أغمد خنجره في عين هذا أوفي كرش ذاك ، ثم يتوجه من هناك إلى القرية ، ويظل يرشف من قنينة الخمر تلك ، لكنه من منتصف المسافة ، بعد أن تعبث الخمر بحواسه الخمس يبدأ في صبّ لعناته على الحمار ؛ متهما إياه بأنه حمار حقا وخمران ، ويلهب مؤخرته بسوطه السودانيّ ليعود به من جديد إلى نقطة إنطلاقهما .

بعد رحيل كثير من الإيطاليين عن البلاد إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية ، استردّ الفتى دكان جدّه في القرية أسفل القلعة ، الذي كان قد جعل منه تاجر إيطاليّ يدعى كاتالينو و زوجته اليهودية خمارة .

حدّثنا ذات عشية ، تحت ظلال المسجد ، حديثاً عصبياً متقطعاً أنه إذا كان لا يعرف ما الذي ظل يدفعه طوال مراهقته إلى التشرد والانحراف ، فإنه أيضاً لا يعرف ما الذي حلّ به ، وهو يمسح بنظراته ذلك الدكان المستعاد لأوّل مرة بعد سنوات ؛ لا يعرف كيف خطر له أن يحوّل تلك الخمارة المستردة إلى بيت لله ، وهو الذي لم يضع جبينه على الأرض منذ طفولته ؛ حين كان يحاكي والده أثناء صلاته .

مسجدٍ لأهل القرية البدو الذين تقاطروا إلى مباني القلعة التي هُجرت ، ليتخذوا منها كلها دون تفريق بين عنبر أو إسطبل أو كنيسة مآوي لهم ، والذين لم تجعل لهم تلك السنون السوداء من نصيب في الفقه في أمور الدين .


ـ نا أوّل واحد يذ ّن في هالقرية.

كان دائما يقول بفخر ثم يضيف بضحكة هازئة :


ـ والله يا جماعه ، وحق ربّ هالبيت ، في هالمنطقه ماكانوا عارفين فيش اندير وينما صبيت فوق سطاح الجامع وتميت نذن ، أوينما افطنت وبهتت لاوين عرب النقطه كلهم كبار وصغار وحتى الصبايا رافعين اعيونهم معاي ، ونلقاني ما عاد مسكت في روحي ، واخلطت آذان علي بكا ، وما نزلت مالسطاح زين ، نين جاني عمر هض ، هاللي توّ بعياله ، وقاللي يسلم عليك باتي ، وقالّكْ الله يرفع مقامك اللي رفعت صوت الحق في هالقريه ، وقالك راني هالموقف هض ريته في المنام ، وقالك لا اتحركش مالحوش راني جايك بعد العصر ).

ومنذ ذلك اليوم صار للمسجد مع المؤذن إمام ، ومع الأيام تطوع آخر بهدم جدار دكانه المجاور ليحوّله إلى توسعة للمسجد ، ثم شيئاً فشيئاً صار للمسجد روّاد ولجنة إشراف واسم رسميّ نقش على رخامة رصّعت جانب واجهته ، وإن ظل الناس يسمونه جامع محمد علي كريّم ، بعضهم معترفاً بفضل الرجل القائم ليلاً نهاراً على خدمة المسجد ، وبعضهم قادحاً في أسلوبه الحاد في معاملة المصلين وكأن المسجد بيته : فإلى أن عرفتْ القرية الحنفيات ظلّ هذا الإنسان بصبر وجلَد جمل ، ينقل كل وقت ، من الفجر إلى الفجر ، برميلىْ ماء (جرمانيين) يتدليان إلى جانبيه من عصا على كتفيه ، مثل كفتي ميزان ، وإلى أن وصلت الكهرباء إليها ظل يكبر ويشيخ خفية ، وهو يصعد ويهبط سلّماً حجرياً ؛صنعه بيديه ؛ إلى سطح المسجد لرفع الآذان ، ولكن لا أحد لم يره ؛ ولو مرة واحدة ؛ يطارد الأطفال المكركرين في المسجد قاذفاً وراءهم أحذية المصلين ، لاعناً آباءهم وأمهاتهم الذين لم يربّوهم ، أو قاطعاً تسبيحه أو تلاوته و مندفعاً إلى ( المواضي) ليعنف أحدهم على الإسراف في المياه ، أو عدم إحكام الحنفيات ، أو جاذباً آخر من عمامته إذا اقترب من ناقل الصوت لرفع الآذان .


بعد العصر بوقت غير قصير ، وكان قد رفع الآذانَ صوت آخرُ ، سألتني جدتي القاعدة في البيت :كيف لم يؤذن للعصر حتى الآن .

أما الليلة في السهرية ، فإني متأكد أنه سيروى ، في أكثر من حلقة دردشة ، أن الحاج محمد علي كريّم رحمه الله ، في أول يوم لناقل الصوت في المسجد ، نصحه ناظر المدرسة بأنه لم يعد هناك من داع لأن يتعب نفسه بالصعود إلى سطح المسجد ، فما عليه سوى نقر رأس الميكروفون و التصنت لوشوشته ، ثم يرفع الآذان ، وعندما فعل الشيخ ذلك وتصنت لم يسمع شيئاً فقال بتذمر : (خـرررررفي ياحليمه) ، لتسمعه القرية عبر مكبرات الصوت .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصورة من tajouri_sedi_abdassalam_zleetin

السبت، يناير 22، 2011

زوكربيرغ@ تونس...



مرح البقاعي*





" بن علي هرب .. تونس حرّة.. تونس حرّة ..الحرية للتوانسة...."


هكذا، في ليل 14 يناير 2010 من شارع بورقيبة الخالي في حينها إلا من ملاّلات الجيش الوطني تحرس الفراغ الذي خلّفه سقوط رأس السلطة المدوّي ، ارتفع صوت مواطن تونسي بالهتاف لحرية مواطنيه في تونس بعد أن انفكّت من قبضة الرئيس زين العابدين بن علي ، إثر هروبه تلك الليلة خارج تونس ، هائما على وجهه ، ودونما وجهة محددة تحطّ طائرته فيها.


كم من البلاغة تلزم لاختزال مشاهد انتفاضة الشباب التونسي تلك في قوام اللغة ، وكم من المجاز يُستدعى لاستيعاب ذاك الحدث غير المسبوق في بلد يعضّ منذ عقود خلت على جرحه ، وذلك في سياقه الاستباقي في الزمن والجغرافيا؟


خانتني السليقة مرارا وأنا أحاول إعادة صياغة الحدث الأجلّ بلغة تستوعب كل هذا الجمال الثوري الأقرب إلى زهرة لوتس بريّة عملاقة تنفتح على سطح بحيرة من نار!


التسارع كان قياسيا منذ بدء اندلاع المظاهرات التي عمّت المدن التونسية كافة إثر إضرام رمز الثورة ، محمد البوعزيزي النار بجسده "احتجاجا على الظلم والقهر لا الفقر الذي كان قد تعود عليه" كما أفادت شقيقته ، حتى ساعة هروب رأس النظام في تونس وعائلته تحت ضربات الشارع المتعاظمة واقتراب المظاهرات العارمة من قصره المنيف.


آثر الرئيس المخلوع - بيد الشعب هذه المرة وليس بيد الأجنبي - أن يرحل تحت جنح الظلام ، ومن أبواب العاصمة الخلفية ، على أن يتقدّم باستقالته ويتنحّى عن الحكم ويواجه مسؤوليته أمام شعب ائتمنه على مقدّراته وأرضه ومستقبله فخان الأمانة.


لم يجد بن علي في أصدقائه الغربيين من يوفّر له مهبطاّ لطائرته التي اُستنفذ وقودها وهي تحوّم لساعات عديدة في أجواء الدول "الحليفة" بحثا عن ملاذ إثر انهيار صرحه الأمني الهش.


وتناقلت الأجواء السياسية هنا في العاصمة واشنطن أن الوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طلبت في اتصال هاتفي مع مسؤولين في السعودية استقباله على أرضها! فالموقف الأميركي كان دائما ملتبسا فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريّات في تونس ، وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد أصدرت في شهر أبريل الفائت ، وعلى هامش زيارة وزير الخارجية التونسي ، كمال مرجان ، للولايات المتحدة ، مذكرة رفعتها سارة ليا ويتسن ، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة قالت فيها : "تونس تتحدث كثيراً عن احترام حقوق الإنسان ، لكن ممارساتها في هذا الشأن شيء مختلف تماما" وأضافت : "على وزيرة الخارجية كلينتون أن تؤكد علناً على الرغبة في رؤية نهاية الاضطهاد للصحفيين المستقلين ونشطاء حقوق الإنسان ".


هكذا، وبعيدا عن التنظير السياسي الضيق والأدبيات التنظيمية الركيكة والاصطلاحات الأكاديمية الرصينة ، وقريبا من الحس الغريزيّ البكر بالحق الإنساني المطلق بالحرية والكرامة ، وتنامي الشعور العام بالحاجة إلى التغيير قبل الحاجة إلى الخبز ، أسّس شباب تونس لمشروعهم الثوري الخاص بعيدا عن النظرية التقليدية لتحقيق التغيير السياسي في البلاد العربية ، وتمكّنوا في حركية سلمية مهدها الشارع ، وعمرها أشهر معدودة فقط، من الإطاحة بطاغٍ مستبدّ وتقويض أسس حزب حاكم أوحد ونظام شرس حكم البلاد لمدة 23 عاما بسطوة الأمن الحديدية ، وكذا أجبروا رأس النظام على التسلل خلسة خارج البلاد تحت ثقل الغضب الجارف والحزن الشعبي العميم على شهداء الثورة ممن واجهوا رصاص عصابات بن علي الأمنية وقنّاصيه المنتشرين على أسطحة الأبنية السكنية بصدورهم العارية.


هكذا ، وبسرعة انتقال المعلومات في ألياف خطوط الانترنت ، انتقلت شرارة الثورة بين فئة الشباب التي تتجاوز نسبتها الـ 21% من مجموع التونسيين عبر موقع الفيس بوك الذي شكّل غرفة العمليات الحقيقية لإدارة هذه الحركة.


وإذا علمنا أن ما يقارب مليوناً ومئتي ألف تونسي يملكون حسابا خاصا على الموقع نستطيع أن نقدّر حجم وعمق التواصل والتنسيق الذي انتظمت عليه تلك الثورة وفاجأت العالم بأسره بقدرتها على التكامل والكمال في آن.


وكانت معضلة البطالة التي يعاني منها الشباب التونسي المتعلم ، والتي وصلت نسبتها إلى 14% في العام 2010، الفتيل الذي أشعل تلك النار الفارعة ، والتي سرعان ما تحولت إلى احتجاجات عريضة على الفساد الحكومي والقمع الأمني وغياب الحريات ، منهية صلاحية النظريات الجاهزة والتقليدية التي يعتقد أصحابها أنه ليس بالإمكان الإطاحة بنظام استبدادي ما لم تتوفر معارضة سياسية منظمة ذات قيادة متماسكة.


هكذا أصبح بإمكان مارك زوكربيرغ ، الشاب الأميركي الذي أسس موقع الفيس بوك ، أن يفاخر بأن قارته "السابعة" التي أطلقها على أمواج الانترنت الرقمية كانت الجهة اللوجستية الحاضنة لأولى ثورات العصر وأصباها ، وأكثرها نورانية ، منذ اندلاع الثورة الفرنسية التي أطاحت برأسيّ الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت في العام 1793 ، وانتهاء بـ "ثورة الصبّار" ، كما يطلق عليها أهل سيدي بوزيد مسقط رأس الشاب البوعزيزي - نبي الثورة وشاهدها الشهيد.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





*شاعرة وكاتبة سورية مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية

السبت، يناير 15، 2011

ليتني حجر



ليتني حجر
آدم فتحي



لَيْتَنِي حَجَرٌ يا ابْنَتِي لَيْتَنِي مِنْ حَجَرْ

كَيْ أرَى ما أرَى دُونَ أنْ أنْفَجِرْ

لَيْتَنِي كُنْتُ لَوْحًا مِنَ الزِّنْكِ أو خشَبًا أوْ رُخامًا فلا أتوجَّعُ

أو أتفجَّعُ أو أتصدَّعُ أو أتبَعْثَرُ أو أنْتَثِرْ

كُلَّمَا امْتَدَّ فِيَّ السُّؤالُ شُروخًا وأَقْبِيَةً وسِهَامًا إلى أَيْنَ بَعْدُ ، نِيامًا وماشِيَةً ونَعامًا؟












وماذَا فَعَلْتُمْ بِأَحْلامِكُمْ يا أبِي ، مُنْذُ خَمْسِينَ عَامًا؟





وأَيَّ بِلادٍ تُرِيدُونَ أَنْ تُورِثُونَا، حَشِيشًا وبرْدعَةً ولِجَامًا؟


وماذا تُرَى تَفْعَلُونَ بِأَحْلاَمِنَا وَهْيَ تُولَدُ كَيْ تتَدَاعَى وتَكْبُرُ كَيْ تَنْكَسِرْ












آهِ يا مَيُّ يا مَيُّ لَوْ تَغْفِرِينَ ولَوْ مَرَّةً لأَبِيكِ خَصاصَةَ عِيشَتِهِ وهَشاشَةَ حِيلَتِه ِوهْوَ أعزَلُ يحْرُسُ وَرْدَتَهُ في فَمِ الذِّئْبِ




لَوْ تَسْمَعِينَ لَهُ كَيْفَ يَطْوِي على خَفْقَةِ القَلْبِ أعْذارَهُ دُونَ أنْ يَعْتَذِرْ


كَيْفَ يَشْكُو ويَكْتُمُ شَكْوَاهُ كَيْ لا يُرَى شاكِيًا


كيْفَ يَبْكِي ويَضْحَكُ كيْ لاَ يُرَى باكيًا


كَيْفَ يَدْفنُ دَمْعَتَهُ في الذَّهابِ ويَدْفنُ شَمْعَتَهُ في الغِياب ِ


ويَفْرشُ لَوْعتَهُ في طرِيقِكِ كَيْ لا تَعُوقَ خُطاكِ الحُفَرْ


آهِ كَمْ ضاعَ يا ابْنَتَهُ فِيهِ يَجْرِي ورَاءَ هَوَاءٍ جَدِيرٍ بِفَاكِهَةِ الرُّوحِ


مُنْشَغِلاً عن سماءٍ مُطّوقةٍ بالسُّفُوحِ


مُطِلاًّ على نفْسِهِ في بلادٍ تَليِقُ بما سَالَ مِنْ دَمِنَا في عُرُوقِ الشَّجَرْ


ليْسَ فيها قراصِنَةٌ فَوْقَ ما يُسْتَطاعُ


ولا فُقَرَاءُ يُطِيعُونَ ما لا يُطاعُ


ولا أُمَرَاءُ يَبِيعُونَ مَا لاَ يُبَاعُ


ولا تتخَفَّى طَواحِينُها في ذِئابِ البَشَرْ


مائِلاً عنْ طَريقِ القوافِلِ مُلْتَحِفًا بأغانِيهِ في كُلِّ عاصِفةٍ


واقفًا في سفينَتِهِ يتحَصَّنُ ضِدَّ الشِّباكِ وضِدَّ الجِهات ِ


وضِدَّ الهَلاكِ وضِدَّ النَّجاةِ وضِدَّ دَوَاهٍ أُخَرْ


مُوحِشَ البَحْرِ مُسْتَوْحِشَ البَرِّ مُسْتَأْنِسًا بنَدَى قَلْبِهٍ ونِدَا شَعْبِهِ



مُصْغِيًا في سُكُونِ اللَّيالِي إلى خُطُواتِ السَّلُوقِيِّ مِنْ خَلْفِهِ


راجِيًا أن يَطُولَ السَّفَرْ


رَيْثَما يَتبَيّنُ ماذَا يُرِيدُ وعَنْ أيِّ سِرٍّ يُراوِدُ هذا المَدَى ومتى يَتسَنَّى لَهُ أنْ يَعُودَ من البَحْرِ أو أَنْ يَعُودَ من الحِبْرِ


أو أَنْ يَعُودَ من الحَرْبِ في هَيْئَةِ المُنْتَصِرْ


هُوَ ذَا...أَكَلَتْهُ الدُّرُوبُ فلاَ هُوَ عادَ بِعُشْبَةِ جِلْجَامِشَ الأَبَدِيَّةِ لا هُوَ لاَقَى عَرَائِسَ عُولِيسَ لا هُوَ شَيّدَ قَلْعَتَهُ عَاليًا لا هُوَ ارْتَدَّ عَنْ حُلْمِهِ وانْكَسَرْ


لَكِ أَنْ تَحْمِلِي المِشْعَلَ الآنَ يا مَيُّ.


فَلْتَحْملِيهِ



دَمِيتُ ولكنّني سأظلُّ على عَهْدِنَا مَا حَيِيتُ


يَدِي في يَدَيْكِ وكَفِّي على الجَمْرِ كَيْ لا يَعَضَّ على قَدَمَيْكِ


وإنْ طالَ هذا السَّفَرْ


تَتَمَشَّيْنَ حذْوِي على حَذَرٍ مِثْلَ مَنْ يَتَمَشَّى على كِسَرٍ مِنْ شَذَى الرُّوحِ


شَعْرُكِ يُومِضُ في لُجّةِ الكَلِماتِ وأنْتِ تُعِيدِينَ تَرْتِيبَ فَوْضَى الحيَاةِ


وتَأْثِيثَ قَلْبِي بمُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ مُتَسَائِلَةً كَيْفَ تَنْمُو صِغَارُ النَّبَاتَاتِ


والدُّودُ كَيْفَ يَرَى دَرْبَهُ في المَسافاتِ


والحاجِبُ المُتَقَوِّسُ في قُزَحٍ هَلْ يَنَامُ وتَنْصُلُ ألْوانُهُ في المَطَرْ


والنُّجُومُ التي انْتَثَرَتْ في السَّماواتِ كالبَيْضِ أَيُّ الدَّجاجاتِ تَحْنُو عليها لِتَفْقسَ


أمْ أنَّها صَدَفُ الذِّكْرَياتِ وحَلْوَى تَنَاثَرُ مِنْ عَرَباتِ السَّهَرْ


لنْ أَخِرَّ على الأرْضِ إِلاَّ لأَزْرَعَ فيها مَزِيدًا من الحُلْمِ لَمْ يَحْتَضِنْهُ الرَّبِيعُ


وحُرًّا كَمَا أسْتَطِيعُ، سَعِيدًا على قَدْرِ مَا أسْتَطيعُ


سَأَمْضِي إلى آخِرِ القَهْرِ، أمْضِي إلى آخِرِ الصَّبْرِ أمْضِي إلى موْعدِي المُنْتَظَرْ


رغْمَ يَوْمٍ يَحِنُّ إلى أمْسِهِ لاَ إلى غَدِهِ ، وغَدٍ يَتَعَمَّدُ إِخْلافَ مَوْعِدِهِ


صارِخًا في المَدَى حَيْثُ لا شَيْءَ يُرْضِي البَصِيرَة لا شَيْءَ يُرْضِي البَصَرْ


غَيْرَ شعْبٍ يمُوتُ ليَحْيَا، ويَكْتُبُ بِالدَّمِ فوْقَ عِبَارةِ يَحْيَا


إذَا الشَّعْبُ يَوْمًا أرادَ الحياة


ولم تُوقِظِ الرُّوحُ فِيهِ المَوَات


ولم يَنْفُضِ القَلْبُ عَنْهُ الحَجَرْ


فَهَيْهاتَ أَنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ


لَيْتَنِي قَشَّةٌ يا ابْنَتِي لا تخافُ العَجَاجةَ


بل لَيْتَنِي مَوْجَةٌ لا تُبَالِي إِذَا هَزَّها بَحْرُ بنْزرْتَ أَيْنَ تَقُودُ الزُّجَاجَةَ


أو قَمْحَةٌ تَتَكَسَّلُ في شَمْسِ بَاجَةَ


أو حَنَشٌ في مَسَارِبِ نَفْزَاوَتِي يُوقِظُ العَنْزَ مِنْ نَوْمِهَا ويُثِيرُ الدَّجَاجَةَ مُلْتَحِفًا بِشُعَاعِ القَمَرْ


لَيْتَنِي لِحْفَةٌ في رِيَاحِ المَرازِيقِ أو سَعْفَةٌ تَحْتَ حِمْلِ العَلِيق ِ


تُزَخْرِفُ رَمْلَ الجَرِيدِ ولا تَتَوَقَّفُ إِنْ نَسِيَتْ نَفْسَهَا في الطِّرِيقِ


لِتَسْأَلَ عَنْ حَجَرٍ أو بَشَرْ


لَيْتَنِي حَجَرٌ خَرَّ مِنْ بَيْنِ غَمْضِ الجُفُونِ على رَأْسِهِ في الطَّرِيقِ


إلى تَاءِ تَالَةَ


أو بَاءِ بُوزِيدَ فاصْطَرَّ كالحلَزُونِ على نفْسِهِ لا رِسَالةَ


تَشْغَلُهُ لا بَرِيدَ ولاَ صَرَّ لا قَرَّ لاَ بَرْدَ لا حَرَّ لا صالِحِي لا مَطَرْ


لَيْتَنِي مَا وَرِثْتُ دَمَ المُتَنَبِّي ولا قَلْبَ دَرْوِيشَ


بَلْ لَيْتَنِي مَا عَبَثْتُ مَعَ المَوْتِ حتّى أَعِيشَ


إلى حِينِ أَصْرُخُ لَيْتَ الفَتَى حَجَرٌ لَيْتَنِي حَجَرٌ لَيْتَ رُوحِي وقَلْبِي وعَقْلِي حَجَرْ


لَيْتَنِي حَجَرٌ كَيْ أَرَى مَا أَرَى :


الدَّمَ يُهْرَقُ والحُلْمَ يُزْهَقُ


والصَّمْتَ يُطْبِق ُ


مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتَفَطَّرَ أو أَتَفَجَّرَ أو أَنْتَحِرْ



لَيْتَنِي حَجَرٌ، كيْ أَرُدَّ على كُلِّ هذا الرَّصَاصِ، وأَهْدِمَ سَقْفَ الرَّصَاصِ ، وأَصْرُخَ في جَبَرُوتِ الرصَاصِ


ارْفَعِ اليَدَ عنْ دَمِنا ،


وارْفَعِ اليَدَ عن شَعْبِنَا ،


وارْفَعِ اليَدَ عنَّا ،


فقدْ نَفَدَ الصَبْرُ منْ صَبْرِنا وانْدَثَرْ


لَيْتَنِي حَجَرٌ...


غَيْرَ أنِّي بَشَرْ



قَدَرِي أَنْ أَظَلَّ أدُقُّ على بَابِ حُلْمِي بلَحْمِي وعَظْمِي إلى أنْ أمُوتَ على البابِ أو


أَنْتَصِرْ .

الأحد، يناير 09، 2011

أحبيني



(إهداء إلى الشاعر عبدالقادر بكار)


أحبّيني .. أحبّيني ..


أحبّيني

أما آنَ ؟؟

أحبّيني فحبّك أنْ تحبّيني

ولا ثانٍ لنا في الحبّ إلاّنا


أحبّيني وما أدراك ماحبّي ؟

فليت لديّ معجزة

وليت لديّ برهانا

أحبّيني مجاملة لأجلك أنتِ

أو أجلي

لأجل الحبّ ياحبّي

لأجل الله إحسانا

أحبّيني

عِديني بالهوى وعداًَ

وخونيه

كفاني وعدك الآنَ

كتجربة أحبّيني

لعلّكِ أنْ تحبّيني

ويغدو الحبُّ إدمانا

أحبّيني

بدافع أنْ تحبّيني

أحبّيني

لأيّ مبررٍ كانَ

ولو خطأً أحبّيني

أما أخطأتِ أحياناً

وأحياناً وأحيانا ؟؟؟

بلا سببٍِ أحبّيني

بلا حبٍّ أحبّيني

بلا شيءٍ أحبّيني

بمعجزةٍ أحبّيني

وخلّي الرقضَ إذعانا

خلّي العجزَ إمكانا

خلّي الكفرَ إيمانا

أحبّيني

أحبّيني

أحبّيني

لعلّ الحزنَ يحزنني

لعلّ الفرحَ يفرحني

لعلّي صرتُ إنسانا

أحبّيني

المشاركات الشائعة