السبت، نوفمبر 27، 2010

عائشة والجدار



الجدار الطيني القديم بشكله المتداعي كان يعلونا بكثير ، كم وقف سداً عنيداً أمامنا يمد لسانه .. يدعونا إلى اللعب أو يقصره فينهي جلساتنا ويبطل لهونا ، هكذا حين يمد ظله الكبير ، أو حين يحجبه في تجاويف الأحجار الترابية المتآكلة ، أو حين يبتلع الكرة لينهي لعبة ويجبرنا على لعبة أخرى .


( عائشة ) المرأة الجميلة صاحبة الجدار ، كلت من رد الأشياء التي نقذفها وراء الجدار ، فتتساقط بجوارها وحيناً تصيبها ، وحيناً ما تفسد أشياؤنا غناءها الجميل ، وحيناً تطل علينا من وراء الجدار ، وتقذف بأشيائنا التافهة ، وحين كلت صارت تحجب الكرة عنا وتطردنا .


لقد كنا نفسد عليها وحدتها ، وننتهك الصمت الذي تحبه ، بأن صرنا نحفظ غناءها ونردده ومن دون أن نعرف مغزاه ، لكننا حين رأينا أمهاتنا تعض على الشفاه حين تسمع مانردده من أغان ، اكتشفنا في ( عائشة ) مكمن خطيئة من دون أن نعرف للخطيئة سبباً .


ومنذ ذلك اليوم صارت ( عائشة ) لعبتنا ، صرنا نتسلق الجدار ، ونطل برؤوسنا الصغيرة ، فنرى ساقيها ممدتين . فيستبد بها الغضب وتقف تطردنا ، فنهرب بعيداً ، لنتسلل بعد لحظات إلى ظل الجدار ، ونختار لعبة صامتة مكتفين بغناء ( عائشة ) الجميل ، كان جميلاً على الرغم ما ألصق به من خطيئة ولايخلو من نبرة حزن .


ظل الجدار يحجبنا ويحجب ألعابنا عنا ، ونحاول في كل مرة تكبد مشقة تسلقه ، لكي تمتليء عيوننا بشعرها الغزير وأنوفنا بعطرها النفاذ ، وفي بعض الأحيان تمد قوامها ....... فيعلو الجدار ، فتحبط محاولتنا ، واليوم حين عرفت سر الغناء وقفت بجوار الجدار ، ووضعت راحة كفي على أعلى حجرة فيه ، ونظرت بارتياح إلى ماوراء الجدار فرأيت بقايا إمرأة ، لم تبدل جلستها منذ ثلاثين عاماً ، وكان الزمان قد أطفأ نضارتها وسرق صوتها الجميل ، إنها تستسلم لنظراتي فأرى ساقين جافتين .... ولم تفعل شيئاً .......... ، صارت هدفاً مكشوفاً تنظر إلي نظرة العاجز اليائس ، إنها إمرأة لايمكنها الوقوف منتصبة ، لقد صار الجدار يعلوها ، صغرت ( عائشة ) وكبر الجدار ، كانت أكبر من الجدار ومنا ، واليوم نحن أكبر من الجدار ومنها .. الفرصة مهيأة لأن يلعب الأطفال ، ولكن من يضمن لنا نحن الكبار ألا نعود صغاراً ؟! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المجموعة القصصية (اللعبة) بموقع القاص سالم علي العبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة