الاثنين، مايو 10، 2010

بيت الغزال



أقاربنا الذين يسكنون في المدينة ؛ في بيتهم غزال ، جلبه رب الأسرة ذات رجعة من حيث عمله في الصحراء ، مع الجبن الأصفر والحلوى الطحينية والتونة والزيتون ، ويقال أنه حين دعاه رفاق رحلة العودة إلى ذبحه أقسم لهم بالله ثلاثا أن لن يفعل ؛ لا هو ولا أحد منهم ، فقد رأى في عيني الغزال عيني (جازية ) ، وهمَّ بأن يرسله في الرمال ، لولا احتجاج الرفاق بأن لا يفعل ، فعاد وتحايل عليهم ؛ أو على نفسه ؛ بأن يولم به لهم يوم يحوز الغزال الإنسي في بيته .

لقد كان جديَ غزال بنيّاً مرقط المتن بالأبيض ، ذا قرنين كإبهامين ، كان قدَمَ سعد ٍعلى (عيسى) ، حيث ما استقر الغزال في البيت أسابيعَ حتى تيسر أمر قصة حبه لجازية ؛ فخطبها وتزوجها ، جازية ربة البيت إلى الآن ، التي ظلت سنوات تتفرج على الغزال وتنجب البنات .

وكان يطيب لي كثيراً ؛ كأيّ طفل ؛ الحديث للرفاق عن غزال أقاربنا الذين في المدينة ، ولم يكن ينغص عليّ حالة التباهي بتلك الحكايات سوى أني لم أكن مستعدا للإجابة ؛ لا بلا ؛ ولا بنعم ؛ عن سؤال ماكر من أحد رفاق اللعب (وأنت عمرك شفته غزال العرب اللي يعرفوكم في لبلاد و ؟ ) ، ببساطة لأني لم أره قط ، بينما رآه كثيراً إخوتي الكبار ، فضلا عن أختي الصغيرة ؛ التي كان يتيح لها ترددها على مستشفى الصدرية ؛ زيارتهم والمكوث لديهم أياماً ، قطّ لم أره ، ولا حتى في ذلك اليوم الربيعي الوحيد الذي مرّ فيه ببيتنا عيت عيسى ، سي عيسى وعمتي جازية ؛ وغزالة وقليدة وجفـّالة وريم ومها ؛ ليتزودوا باللبن وخبز التنور؛ وهم في طريقهم إلى (الزرده) في الوادي ، وليوصوا أبي ليعمل للغزال حجاباً مثلثاً من العين ، ولتـُلحِق أمي بهم أختي نجمة ، وكان الغزال فيهم ؛ فيما وراء الكرسي الخلفي لسيارة المورس الفورمايكا .

ولم يكن يهوّن علي شعوري بالغلبة ـ حين لا أقوى على اللجوء إلى فضاء الخيال ـ إلا حضور ابن ِ خال ِ ولد ِ عمتي ؛ الذي ينوب عن أحلام يقظتي بالقص عن مغامرات يطلقها وراء الغزال ، لكنها سرعان ما تجتازه إلى أبعد ، بعد أن يكون قد اختار لي فيها شخصية ً ؛ أجد أن لا بدّ لي من القبول بها ؛ شخصية تأخذ في التحول من أسد إلى أرنب قبل نهاية كل قصة .

أقاربنا الذين في المدينة ، كان في بيتهم غزال ، قطعت شطراً من طفولتي وأنا أحلم برؤيته ، وأباهي بحديثي عنه للرفاق ، ويشاكسني الرفاق بعدم رؤيتي له ، وينتهز ابن خال ولد عمتي الفرصة لإطلاق خياله ، ولكنني ـ ذات يوم نسيتـُه ـ نسيتُ ذلك الحلم وتلك الرغبة ، فما الذي حدث لي ؟ ، أو ما الذي حدث لأهلي فلم يعودوا يتحدثون عنه ؛ فيذكرونني به ؛ وبحكايتي معه ؟ ، وما الذي حدث للرفاق فلم يعودوا يسألونني عنه ؟ ، وما الذي حلّ بالغزال ؟ ، إنما من المؤكد أن الغزال ـ الذي كان بمثابة فرد من أفراد أسرة عيت عيسى ـ لم يمت رغم انطفاء حلمي برؤيته ، فلو مات لأقام أقاربنا الذين في المدينة له مأتماً ، أرجّح أن الغزال لا يزال حيّاً .

بالمناسبة ! ، كم يعيش الغزال من السنوات ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة